سورة البقرة - تفسير تفسير ابن القيم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (البقرة)


        


{لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)}
قول اللّه تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}.
حتم حكم الفيء، الذي هو الرجوع والعود إلى رضا الزوجة، والإحسان إليها: بأنه غفور رحيم، يعود على عبده بمغفرته ورحمته. إذا رجع إليه. والجزاء من جنس العمل. فكما رجع العبد إلى التي هي أحسن، رجع اللّه إليه بالمغفرة والرحمة: {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} فإن الطلاق لما كان لفظا يسمع، ومعنى يقصد، عقبه باسم السميع لما نطق به العليم بمضمونه.


{وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلاَّ أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (235)}
لما ذكر سبحانه التعريض بخطبة المرأة الدال على أن المعرّض في قلبه رغبة فيها ومحبة لها، وأن ذلك يحمله على الكلام الذي يتوصل به إلى نكاحها، رفع الجناح عن التعريض، وانطواء القلب على ما فيه من الميل والمحبة، ونفي مواعدتهن سرا.
فقيل: هو النكاح. والمعنى: لا تصرحوا لهن بالتزويج، إلا أن تعرّضوا تعريضا. وهو القول المعروف.
وقيل: هو أن يتزوجها في عدتها سرا. فإذا انقضت العدة أظهر العقد. ويدل هذا على قوله: {وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ} وهو انقضاء العدة. ومن رجح القول الأول قال: دلت الآية على إباحة التعريض بنفي الجناح، وتحريم التصريح بالنهي عن المواعدة سرا، وتحريم عقد النكاح قبل انقضاء العدة. فلو كان معنى مواعدة السر: هو إسرار العقد. كان تكرارا.
ثم عقب ذلك بقوله: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ} أن تتعدوا ما حدّ لكم. فإنه مطلع على ما تسرون وما تعلنون.
ثم قال: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} ولولا مغفرته وحلمه لعنتم غاية العنت، فإنه سبحانه مطلع عليكم، يعلم ما في قلوبكم، ويعلم ما تعملون، فإن وقعتم في شيء فما نهاكم عنه فبادروا إليه بالتوبة والاستغفار. فإنه هو الغفور الحليم.


{مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245)}
وقوله: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ}.
صدر سبحانه الآية بألطف أنواع الخطاب، وهو الاستفهام المتضمن معنى الطلب، وهو أبلغ في الطلب من صيغة الأمر. والمعنى: هل أحد يبذل هذا القرض الحسن، فيجازي عليه أضعافا مضاعفة؟.
وسمي ذلك الإنفاق قرضا حسنا حثّا للنفوس، وبعثا لها على البذل. لأن الباذل متى علم أن عين ماله يعود إليه ولا بد طوّعت له نفسه، وسهل عليه إخراجه. فإن علم أن المستقرض ملئ وفيّ محسن، كان أبلغ في طيب فعله وسماحة نفسه.
فإن علم أن المستقرض يتجر له بما اقترضه، وينميه له ويثمّره حتى يصير أضعاف ما بذله كان بالقرض أسمح وأسمح.
فإن علم أنه مع ذلك كله يزيده من فضله وعطائه أجرا آخر من غير جنس القرض، فإن ذلك الأجر حظ عظيم، وعطاء كريم، فإنه لا يختلف عن قرضه إلا لآفة في نفسه من البخل والشح، أو عدم الثقة بالضمان.
وذلك من ضعف إيمانه. ولهذا كانت الصدقة برهانا لصاحبها.
وهذه الأمور كلها تحت هذه الألفاظ التي تضمنتها الآية، فإنه سماه قرضا وأخبر أنه هو المقترض لا قرض حاجة، ولكن قرض إحسان إلى المقرض واستدعاء لمعاملته، وليعرف مقدار الربح، فهو الذي أعطاه ماله واستدعى منه معاملته به.
ثم أخبر عما يرجع إليه بالقرض، وهو الأضعاف المضاعفة.
ثم أخبر عما يعطيه فوق ذلك من الزيادة، وهو الأجر الكريم.
وحيث جاء هذا القرض في القرآن قيده بكونه حسنا. وذلك يجمع أمورا ثلاثة.
أحدها: أن يكون من طيب ماله، لا من رديئه وخبيثة.
والثاني: أن يخرجه طيبة به نفسه، ثابتة عند بذله، ابتغاء مرضاة اللّه.
الثالث: أن لا يمن به ولا يؤذى.
فالأول يتعلق بالمال. والثاني يتعلق بالمنفق بينه وبين اللّه. والثالث بينه وبين الآخذ.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9